27 - 09 - 2024

ترنيمة عشق | عُذرًا يا حبيبي

ترنيمة عشق | عُذرًا  يا حبيبي

خُرقت له قوانين السّموات والأرضين ليرىٰ من آيات ربه الكبرىٰ، أُنعِم عليه بمقام الخُلّة والتّكريم والإدلال والانبساط والرّفعة والاتباع، سيق له "البُراق" ليصله "بيت المقدس" كي يعرج بعدها للسّموات العُلا.

يكلّم الأنبياء.. ثم ينتهي إلىٰ مستوىًٰ رفيعٍ.. فيسمع "صريف الأقلام" ليرىٰ "سدرة المنتهىٰ" والتي "غشّاها ما غشّىٰ" من جَمالٍ أزليّ ونور إلهيّ وعظمةٍ ملائكية، ليرىٰ الرّوح الأمين "جبريل" بأجنحته السّتمائة !! والرّفرف الخُضر يسدُّ الأُفق، و"البيت المعمور".. و"الخليل إبراهيم" مُسندًا ظهره إليه، و"الكعبة السّماوية" يدخلها كل يوم سبعون ألفًا من الملائكة يتعبّدون ثم لا يعودون -أبدًا- إلىٰ يوم القيامة !!

رأىٰ "الجنّة والنّار" رأىَ العَين.. وسأل عن حال أصحابها فرَحًا وحزنًا.

فُرضت عليه "الصّلاة" بلا وساطة.. ليهبط بعدها "بيت المقدس" يصلي بـ "الأنبياء" إمامًا لهم، وحين يُعرَض عليه يختار الفطرة: لبنًا خالصًا سائغًا للشّاربين.

احتفىٰ به "رب الأكوان" والملائكة والنّبيون أجمعين، وأتاح له العوالم الكبرىٰ.. فصغرت الدّنيا في عينيه حين هُيئ له "الثّقلان" و"الدّاران" تشريفّا له ممن هو مُستخفٍ بالليل ساربٍ بالنّهار.. من "مولاه سبحانه" الذي أرسله رحمةً للعالمين ممتدحًا أخلاقه.

يعود بعدها مُعلّم البشرية -صلوات ربّي وسلامه عليه- يجلس على "الحصير" مع الفقراء والمساكين يبكي ويدعو أن يُحشر في زُمرتهم !!

عذرًا يا حبيبي.. ففي ذكراك العطرة الشّريفة.. أنعي إليك أمّتك التي شُغلت عن دينها بتوافه الأمور، صرنا مسلمين بلا إسلام، إليك نعتذر يا من اشتقتَ لرؤيتنا ونحن لا نُبالي، تركنا سُنّتك فكيف ندّعي أنّا اشتقنا لرؤية وجهك الوضّاء ؟! يا رحمة مُهداة يا مَن كُنت تُردّد دائمًا "لولا أشقُّ على أُمّتي".. خفتَ علينا من المشقّة فتهاونّا وتكاسلنا، آثرتنا بدعوتك المستجابة وخبّأتها لتشفع لنا بها.. ونحن اليوم تُرانا بمَ نُؤثِرك ؟!

كلُّ الخلائق يوم العَرض تقول: "نَفْسي نَفْسي".. وأنت وحدك "يا حبيبي" تقول: "أُمّتي أُمّتي" !!

يا حبيبي.. كم عانيتَ وعُذبتَ واضُطهدتَ وطُردتَ وحُمّلتَ علىٰ "ظهرك الشّريف" القاذورات.. وحَثَوا على "وجهك الكريم" التّراب، وربطتَ الحَجَر علىٰ "بطنك" جوعًا، ورماكَ الصّبية بالحجارة حتى سال دَمُك الشّريف -فدَتْك نَفسي- وأنت بنُبلٍ تُتمتم: "لعلَّ الله يُخرج من أصلابهم من يعبد الله".. فما أَحلمكَ وما أَصبرك.

طُردتَ من أحبِّ البقاع إلي قلبك "مكّة".. وشُجّ رأسك.. وتكسّرت أسنانُك.. و قُتل أصحابُك.. ووُضع لك السُّمّ وأنت تُردّد: "أنا أولىٰ من المؤمنين بأنفسهم".

يا محمود المقام.. أي عقوقٍ نقترفه تجاهك وأنت تحاول معنا كي نكون "خير أمّة" أُخرجَت  للنّاس !! كنتَ بنا رؤوفًا رحيمًا فبكيتَ لأجلنا -وأنتَ لم ترنا- تحسبُنا أيقاظًا ونحن الرّقود !!

رماك حاسدوك بالسّحر والكذب والجنون.. واليوم كذلك يتطاولون.. ونحن لم نفِق بعد رغم أن السّيل بلغ الزُّبىٰ.

اليوم مَن لك يا حبيبي ؟! مَن لدين الله ؟! بل مَن للمسلمين ؟! استُضعفنا.. وانتُهكنا.. واستُبيحت أعراضُنا.. وهُتكت أستارُنا وأسرارُنا.. وأُريقت دماؤنا.. واتُهمنا بالإرهاب رغم أنّا المقتولون والمذبوحون والمحروقون والمُشرّدون بالملايين في كافة بقاعنا !!

حتى أنتَ -يا حبيبي- مازلتَ تُهان حتى الآن وتُسب ويُشهّر بك ويُستباح عرضك الذي يخوضون فيه ويلعبون.. ويُشوَّه أصحابُك.. ويرمىٰ عرض زوجك وحِبِكَ "عائش".. يا مَن كنتَ تبثّ حُبّها للمولىٰ الذي زرعه في قلبك وأهداكه من فوق سبع سموات !!

ولكن هل تَعلَم -يا سيدي- أن إهانتك كانت كذلك من أتباع دينك أنفسِهم ؟! قد هجرنا سُنّتك.. وأهملنا دعوتك.. وجافينا سِيرتك.. وأنكر البعض منّا أحاديثك ليكتفوا بالقرءان حَكمًا وحده !! وقريبًا يُنحّى القرءان ليكتفوا بسفهاتهم وحدهم  !! وقد حدث !!

غالىٰ البعض فيك وأنت المتواضع القائل: "أنا عبدُ الله ورسوله".. بل وتجرّأنا على نبوتك يا طيب الأسماء والشّمائل.

إليك أشكو أُمّتك، أمّة الإسلام، أمّة الشّقاق والتّمزق والخلافات.. أُمّة الضّعف والوَهن.. أمّة القصعة التي تداعت عليها وإليها الأُمم.. أمّة المساجد المغلقة والمُدنّسة.. أمّة المُقدّسات المُنتهكة، قد دخل أعداؤنا غير خائفين ولا مُنكّسي رؤوسهم.. بل مُعربدين مُدمرين مُدنسين !!

أتعرفُ -يا شفيعي- أنّا قد أصبحنا نُكفّر بعضنا البعض !! ولم يعُد نوقّر كبيرنا أو نرحم ضعيفنا !! ولم نعُد نرعىٰ حرمة الموت والمقابر !! وتباهينا بمنافقينا وسارقينا !! وشهَّرنا بالشّرفاء فينا !! ثُرنا علىٰ من سرق قوتنا وحريتنا وتركنا الذي تطاول عليك وأنت الأعز الأكرم !!

رفعتَ أنت من شأن "المرأة" ورخصّناها وهتكنا سترها بَعدك !! نزعنا عنك الهَيبة في الكلام وكأنّك عابرُ سبيلٍ !!

عدمنا الأدب في توقيرك ولم نعد نقرأ -أو قرأنا وتناسينا- كيف كان "الإمام مالِك" -رضي الله عنه- يغتسل ويتطَيب ويلبس ثيابًا جُددًا ويتعمّم ليقعد بوقارٍ وخضوعٍ كي يقرأ في سيرتك !!

يا سيدي وحبيبي.. شفيع المذنب إقراره، وتوبته اعتذاره، فهل تؤاخذنا بإسرافنا في الإساءة إليك وتطاولنا على مقامك الرّفيع وسيرتك المُشرّفة ؟! هل تعفُ عنّا كما عودتّنا ؟.. وهل تعف عنّي ؟ عن عبدٍ ظلومٍ غشومٍ متمرّدٍ قاسيَ القلب مجرمًا أو متهاونًا ؟!
-------------------------
بقلم: حورية عبيدة

مقالات اخرى للكاتب

ترنيمة عشق | زمن الحُزن إلى بيروت تِسعون دقيقة